فصل: (فَرْعٌ): (الفرار من الزكاة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَرْعٌ): [الفرار من الزكاة]:

(مَنْ أَكْثَرَ مِنْ شِرَاءِ عَقَارٍ فَارًّا مِنْ زَكَاةٍ زَكَّى قِيمَتَهُ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، مُعَامَلَةً لَهُ بِضِدِّ مَقْصُودِهِ، كَالْفَارِّ مِنْ الزَّكَاةِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. (وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ) أَوْ صَرِيحُهُ (لَا) زَكَاةَ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَتَّجِهُ وَهُوَ)، أَيْ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (أَصَحُّ) مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا (مَا لَمْ يَكُنْ) وُجُودُ الشِّرَاءِ (بَعْدَ مُضِيِّ أَكْثَرِ الْحَوْلِ) بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ نَحْوُ يَوْمَيْنِ عَلَى مَا فِي الرِّعَايَةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ لِاقْتِضَاءِ الْقَرِينَةِ الْفِرَارَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [زكاة ما فيه معنى التجارة]:

(وَإِنْ اشْتَرَى صَبَّاغٌ مَا يَصْبُغُ بِهِ) لِلتَّكَسُّبِ (وَيَبْقَى أَثَرُهُ كَزَعْفَرَانٍ وَنِيلٍ وَعُصْفُرٍ وَبَقَّمٍ وَفُوَّةٍ فَهُوَ عَرْضُ تِجَارَةٍ يُقَوَّمُ عِنْدَ) تَمَامِ (حَوْلِهِ لِاعْتِيَاضِهِ)، أَيْ: الصَّبَّاغِ عَنْ صَبْغٍ (قَائِمٍ بِالثَّوْبِ فَفِيهِ مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَكَذَا مَا يَشْتَرِيهِ دَبَّاغٌ لِدَبْغٍ كَعَفْصٍ وَقَرَظٍ وَ) مَا يُدْهَنُ بِهِ كَ (مِلْحٍ وَسَمْنٍ) ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ، وَفِي مُنْتَهَى الْغَايَة: لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، ذَكَرَهُ عَنْهُمَا فِي الْفُرُوعِ. و(لَا) زَكَاةَ فِي (مَا يَشْتَرِيهِ قَصَّارٌ مِنْ نَحْوِ قَلْيٍ وَصَابُونٍ وَنَوْرَةٍ وَنَطَرُونِ) وَأُشْنَانٍ، لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ، وَلَا يُعْتَاضُ عَنْ شَيْءٍ يُقَوَّمُ بِالثَّوْبِ، وَإِنَّمَا يُعْتَاضُ عَنْ عَمَلِهِ (وَ) أَمَّا (آنِيَةُ عَرْضِ) الـ (تِجَارَةِ) كَغَرَائِرَ وَأَكْيَاسٍ (وَآلَةِ دَابَّتِهَا)، أَيْ: التِّجَارَةِ، كَسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَبَرْذَعَةٍ وَمَعْقُودٍ، فَ (إنْ أُرِيدَ بَيْعَهُمَا)، أَيْ: الْآنِيَةِ وَالْآلَةِ مَعَ الْعَرْضِ وَالدَّابَّةِ، (فـَ) هُمَا (مَالُ تِجَارَةٍ) يُقَوَّمَانِ مَعَهُمَا (وَإِلَّا) يُرَدُّ بَيْعُهُمَا، (فَلَا) يُقَوَّمَانِ كَسَائِرِ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ. (وَمَنْ اشْتَرَى شِقْصًا) مَشْفُوعًا (لِتِجَارَةٍ بِأَلْفٍ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفَيْنِ زَكَّاهُمَا)، أَيْ: الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا قِيمَتُهُ (وَأَخَذَهُ شَفِيعٌ) بِالشُّفْعَةِ (بِأَلْفٍ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمَا عَقَدَ عَلَيْهِ (وَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِعَكْسِهَا) فَإِذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ فَصَارَ عِنْدَ الْحَوْلِ بِأَلْفٍ، زَكَّى أَلْفًا، وَأَخَذَهُ الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ بِأَلْفَيْنِ. وَكَذَا لَوْ رُدَّ بِعَيْبٍ. (وَإِذَا أَذِنَ كُلُّ) وَاحِدٍ (مِنْ شَرِيكَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِصَاحِبِهِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ)، أَيْ: الْإِذْنِ (خَمَّسَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا (نَصِيبَ صَاحِبِهِ) مِنْ الْمُخْرَجِ (إنْ أَخْرَجَا) الزَّكَاةَ عَنْهُمَا (مَعًا) فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لِانْعِزَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَكَالَةِ بِإِخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ زَكَاتَهُ عَنْ نَفْسِهِ لِسُقُوطِهَا عَنْهَا، وَالْعَزْلُ حُكْمًا الْعِلْمُ وَعَدَمُهُ فِيهِ سَوَاءٌ، فَيَقَعُ الْمَدْفُوعُ تَطَوُّعًا، وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى نَحْوِ فَقِيرٍ، لِتَحَقُّقِ التَّفْوِيتِ بِفِعْلِ الْمُخْرِجِ (أَوْ جَهِلَ سَابِقٌ) مِنْهُمَا إخْرَاجًا وَنَسِيَ، فَيَضْمَنُ كُلَّ نَصِيبِ صَاحِبِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إخْرَاجِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، بِخِلَافِ الْمُخْرِجِ عَنْ غَيْرِهِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ عَلِمَ سَابِقٌ (ضَمِنَ الثَّانِي) مَا أَخْرَجَهُ عَنْ الْأَوَّلِ (وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الثَّانِي إخْرَاجَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ انْعَزَلَ حُكْمًا، كَمَا لَوْ مَاتَ. وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلٍ إنَّهُ أَخْرَجَ قَبْلَ دَفْعِ وَكِيلِهِ لِسَاعٍ، وَقَوْلُ دَافِعٍ إلَيْهِ إنَّهُ كَانَ أَخْرَجَهَا، وَتُؤْخَذُ مِنْ سَاعٍ إنْ كَانَتْ بِيَدِهِ، وَإِلَّا فَلَا (وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُوَكِّلٍ: إنَّهُ أَخْرَجَ) زَكَاتَهُ (قَبْلَ) دَفْعِ (وَكِيلِهِ) إلَى السَّاعِي لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (وَلَا يَضْمَنُ) وَكِيلٌ (إنْ أَدَّى دَيْنًا) عَنْ مُوَكِّلِهِ (بَعْدَ أَدَاءِ مُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ مُوَكِّلِهِ، لِأَنَّ مُوَكِّلَهُ غَرَّهُ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا التَّفْوِيتُ (لِرُجُوعِ مُوَكِّلٍ عَلَى قَابِضٍ) بِمَا قَبَضَ مِنْ وَكِيلِهِ (كَوَكِيلٍ) بِإِخْرَاجِ (زَكَاةٍ دَفَعَهَا لَسَاعٍ) وَلَمْ يَعْلَمْ مُوَكَّلٌ (لِرُجُوعِ مُوَكِّلٍ بِهَا) عَلَى السَّاعِي (مَا دَامَتْ بِيَدِهِ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَكَاةٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِ السَّاعِي، أَوْ كَانَ السَّاعِي دَفَعَهَا لِلْفَقِيرِ، أَوْ كَانَ الْوَكِيلُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَرَبُّ الْمَالِ فِي الثَّانِيَةِ دَفَعَا لِلْفَقِيرِ، فَلَا رُجُوعَ، لِأَنَّهَا انْقَلَبَتْ تَطَوُّعًا، كَمَنْ دَفَعَ زَكَاةً يَعْتَقِدُهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَكُنْ (وَكَمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا قَبْلَ إخْرَاجِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ كَالتَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِهَا، وَتُقَدَّمَ عَلَى نَذْرٍ، فَإِنْ قَدَّمَهُ لَمْ يَصِرْ زَكَاةً.

.(بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ):

هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَوْلِكَ: أَفْطَرَ الصَّائِمُ إفْطَارًا. وَأُضِيفَتْ إلَى الْفِطْرِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي وُجُوبِهَا، فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ. وَقِيلَ لَهَا: فِطْرَةٌ، لِأَنَّ الْفِطْرَةَ الْخِلْقَةُ.
قَالَ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وَهَذِهِ يُرَادُ بِهَا الصَّدَقَةُ عَنْ الْبَدَنِ وَالنَّفْسِ، وَهِيَ بِضَمِّ الْفَاء: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ الْعَامَّةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِاسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ لَهَا، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. وَهِيَ (صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ بِالْفِطْرِ مِنْ) آخِرِ (رَمَضَانَ) قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} هُوَ زَكَاةُ الْفِطْرِ (وَلَا تَسْقُطُ) الْفِطْرَةُ (بَعْدَ وُجُوبِهَا) وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (بِمَوْتٍ وَلَا غَيْرِهِ) كَعِتْقِ عَبْدٍ أَوْ بَيْعِهِ، وَإِبَانَةِ زَوْجَةٍ لِاسْتِقْرَارِهَا. (وَلَا تَجِبُ) الْفِطْرَةُ (إنْ وُجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ) شَمْسِ (لَيْلَةِ الْعِيدِ مَوْتٌ أَوْ رِدَّةٌ أَوْ بَانَتْ زَوْجَةٌ أَوْ عَتَقَ أَوْ بِيعَ عَبْدٌ أَوْ أَيْسَرَ قَرِيبٌ مُعْسِرٌ) بِسَبَبٍ، أَوْ انْتِقَالِ مِلْكٍ، فَلَا فِطْرَةَ فِي الْكُلِّ لِزَوَالِ السَّبَبِ قَبْلَ زَمَنِ الْوُجُوبِ (وَلَا) تَجِبُ الْفِطْرَةُ (إنْ أَسْلَمَ) كَافِرٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ قَرِيبٌ بَعْدَ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ (أَوْ مَلَكَ قِنًّا أَوْ) تَزَوَّجَ (زَوْجَةً أَوْ وُلِدَ لَهُ) مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ نَحْوِ وَلَدٍ أَوْ أَخٍ (بَعْدَهُ)، أَيْ: بَعْدَ غُرُوبِ لَيْلَةِ الْعِيدِ. (وَهِيَ)، أَيْ: زَكَاةُ الْفِطْرِ: (طُهْرَةٌ لِصَائِمٍ مِنْ لَغْوٍ وَرَفَثٍ وَتُسَمَّى فَرْضًا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ. وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَدَعْوَى أَنَّ فَرَضَ بِمَعْنَى قَدَّرَ، مَرْدُودَةٌ بِأَنَّ كَلَامَ الرَّاوِي لَا يُحْمَلُ إلَّا عَلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ. بِدَلِيلِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (وَمَصْرِفُهَا)، أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (كَزَكَاةِ الْمَالِ)، لِعُمُومِ: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الْآيَةُ (وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا)، أَيْ: زَكَاةِ الْفِطْرِ (دَيْنٌ) لِتَأَكُّدِهَا، بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا عَلَى الْفَقِيرِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَتَحَمَّلَهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهُ، وَلِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْبَدَنِ، وَالدَّيْنُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمَالِ (إلَّا مَعَ طَلَبٍ) بِالدَّيْنِ فَتَسْقُطُ لِوُجُوبِ أَدَائِهِ بِالطَّلَبِ، وَتَأَكُّدِهِ بِكَوْنِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَبِكَوْنِهِ أَسْبَقُ سَبَبًا. (وَتَجِبُ) الْفِطْرَةُ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ (فَلَا تَلْزَمُ) الْفِطْرَةُ (كَافِرًا مَانَ مُسْلِمًا تَلْزَمُهُ)، أَيْ: ذَلِكَ الْمُسْلِمَ (مُؤْنَةُ نَفْسِهِ) بِخِلَافِ مَنْ لَا يُمَوِّنُ نَفْسَهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ، كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ، هَلَّ عَلَيْهِ شَوَّالٌ، فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا عَلَى الْكَافِرِ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ. (وَلَوْ) كَانَ (مُكَاتَبًا) فَتَلْزَمُهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ كَمُؤْنَتِهَا (أَوْ صَغِيرًا) لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ نَفْسِهِ لِغِنَاهُ بِمَالٍ أَوْ كَسْبٍ (فَيُخْرِجُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ وَلِيُّهُ) لِمَفْهُومِ حَدِيثِ «أَدُّوا الْفِطْرَ عَمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّهُ خَاطَبَ بِالْوُجُوبِ غَيْرَهُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَخُوطِبَ بِهَا (بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ)، أَيْ: الْمُسْلِمِ الَّذِي يُمَوِّنُ نَفْسَهُ (وَ) عَنْ (مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ وَلَوْ) كَانَ الْفَاضِلُ (دُونَ صَاعٍ وَيُكْمِلُهُ)، أَيْ: الصَّاعَ (مَنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَةُ مَنْ فَضَلَ عَنْهُ بَعْضُ صَاعٍ (لَوْ عَدِمَ) وَلَمْ يَفْضُلْ عِنْدَهُ شَيْءٌ (بَعْدَ حَاجَتِهِمَا)، أَيْ: الْمُخْرِجِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ (لِمَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَدَابَّةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ) بِالْكَسْرِ، وَالْفَتْحُ لُغَةٌ، أَيْ: مِهْنَةٍ فِي الْخِدْمَةِ (وَلِحَافٍ وَفِرَاشٍ وَمِخَدَّةٍ، وَكُتُبِ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا لِنَظَرٍ وَحِفْظٍ وَدَارٍ يَحْتَاجُ أُجْرَتَهَا لِنَفَقَةٍ، وَسَائِمَةٍ يَحْتَاجُ لِنَمَائِهَا، وَبِضَاعَةٍ يَحْتَاجُ لِرِبْحِهَا، وَحُلِيِّ امْرَأَةٍ لِلُبْسِهَا أَوْ كِرَاءٍ تَحْتَاجُ إلَيْهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى الْفِطْرَةِ. (وَتَلْزَمُهُ)، أَيْ: الْمُسْلِمَ إذَا فَضَلَ عِنْدَهُ عَمَّا تَقَدَّمَ وَعَنْ فِطْرَتِهِ (عَمَّنْ يُمَوِّنُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) كَزَوْجَةٍ وَوَلَدٍ (حَتَّى زَوْجَةِ عَبْدِهِ الْحُرَّةَ وَقِنِّ تِجَارَةٍ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَا زَوْجَةُ وَالِدٍ وَوَلَدٍ تَجِبُ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ.
(وَ) حَتَّى (مَالِكِ نَفْعِ قِنٍّ فَقَطْ) بِأَنْ وَصَّى لَهُ بِنَفْعِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ، فَتَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَفِطْرَتِهِ (وَ) حَتَّى قِنٍّ (مَرْهُونٍ) وَكَذَا مَبِيعٌ فِي مُدَّةِ خِيَارٍ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ حَكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَاهِنٍ) شَيْءٌ (غَيْرُهُ)، أَيْ: غَيْرُ الْقِنِّ الْمَرْهُونِ، (بِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ فِطْرَتِهِ) كَأَرْشِ جِنَايَةٍ.
(وَ) حَتَّى (مَرِيضٍ لَا يَحْتَاجُ نَفَقَةً) لِعُمُومِ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ. وَعَبْدُ الْمُضَارَبَةِ فِطْرَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَنَفَقَتِهِ (وَ) حَتَّى (عَمَّنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ رَمَضَانَ كُلَّهُ) نَصًّا، لِعُمُومِ حَدِيثِ «أَدُّوا صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَلِي زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُكَ وَإِنْ تَبَرَّعَ بِمُؤْنَتِهِ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلَا (وَ) حَتَّى (آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ وَمَأْسُورٍ وَغَائِبٍ) وَمَحْبُوسٍ (وَلَوْ أَيْسَرَ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ لَهُمْ، وَكَنَفَقَتِهِمْ، بِدَلِيلِ رُجُوعِ مَنْ رَدَّ الْآبِقَ بِنَفَقَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَعُودَ إلَيْهِ. زَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يَعْلَمَ مَكَانَ الْآبِقِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ (لَكِنْ لَا تَجِبُ) فِطْرَةُ الْآبِقِ (مَعَ شَكِّ) سَيِّدِهِ (فِي حَيَاتِهِ) نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَقَاءَ مِلْكِهِ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ، وَكَالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ (فَإِنْ تَبَيَّنَتْ) حَيَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ (أَخْرَجَ لِمَا مَضَى) لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ وُجُودٌ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي الْمَاضِي، فَوَجَبَ الْإِخْرَاجُ، كَمَالِ غَائِبٍ بَانَتْ سَلَامَتُهُ. (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يَكْفِي (لِجَمِيعِهِمْ، بَدَأَ بِنَفْسِهِ) لِحَدِيثِ «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَكَالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ تُبْنَى عَلَيْهَا (فَزَوْجَتُهُ) إنْ فَضَلَ عَنْ فِطْرَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ، لِتَقَدُّمِ نَفَقَتِهَا عَلَى سَائِرِ النَّفَقَاتِ، وَلِوُجُوبِهَا مَعَ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، لِأَنَّهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ (فَرَقِيقُهُ) لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ مَعَ الْإِعْسَارِ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ لِأَنَّهَا صِلَةٌ (فَأُمُّهُ) لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْبِرِّ، «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ: مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوكَ» وَلِضَعْفِهَا عَنْ الْكَسْبِ (فَأَبِيهِ) لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»، (فَوَلَدُهُ) لِقُرْبِهِ (فَأَقْرَبُ فِي مِيرَاثٍ) لِأَوْلَوِيَّتِهِ، فَقُدِّمَ كَمِيرَاثٍ (وَيُقْرَعُ مَعَ تَسَاوٍ) كَأَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَأَعْمَامٍ، وَلَمْ يَفْضُلْ مَا يَكْفِيهِمْ، لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ (وَتُسَنُّ) الْفِطْرَةُ (عَنْ جَنِينٍ) لِفِعْلِ عُثْمَانَ. وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ: «كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، حَتَّى عَنْ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي. وَلَا تَجِبُ عَنْهُ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُسَنُّ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ (مِنْ مَالِهِ)، أَيْ: الْجَنِينِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَنْمِيَتُهُ لَهُ، وَالْإِخْرَاجُ مِنْهُ يُنَافِيهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَكَانَ عَطَاءٌ يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ) بَعْدَ مَوْتِهِمَا (صَدَقَةَ الْفِطْرِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ تَبَرُّعٌ) مِنْهُ (اسْتَحْسَنَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (وَفِطْرَةُ مُبَعَّضٍ)، وَلَوْ مُهَايَأَةً تُقَسَّطُ (وَ) فِطْرَةُ (قِنٍّ مُشْتَرَكٍ) بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ تُقَسَّطُ (وَ) فِطْرَةُ (مَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ وَارِثٍ) كَجَدٍّ وَأَخٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ تُقَسَّطُ (أَوْ مُلْحَقٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ (بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ) بِأَنْ أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِأَبَوَيْنِ فَأَكْثَرَ (تُقَسَّطُ) فِطْرَتُهُ (بِحَسَبِ مِلْكٍ) فِي الْأُولَيَيْنِ (أَوْ إرْثٍ) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُقْسَمُ بِحَسَبِ الْمُلَّاكِ وَالْوَرَثَةِ، وَالْفِطْرَةُ تَابِعَةٌ لَهَا، وَلِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ، فَكَانَتْ عَلَى السَّادَةِ وَالْوَارِثِ بِالْحِصَصِ، كَمَاءِ غُسْلِ جَنَابَةٍ. وَلَا تَدْخُلُ فِطْرَةٌ فِي مُهَايَأَةٍ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ كَالصَّلَاةِ (وَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ)، أَيْ: الْمُلَّاكِ وَالْوَارِثِ (لَمْ يَلْزَمْ الْآخَرَ) الَّذِي لَمْ يَعْجَزْ (سِوَى قِسْطِهِ) مِنْ فِطْرَةٍ (كَشَرِيكٍ ذِمِّيٍّ) فِي مَالٍ زَكَوِيٍّ (وَلَا تَجِبُ) فِطْرَةٌ (عَمَّنْ نَفَقَتُهُ بِبَيْتِ مَالٍ كَلَقِيطٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنْفَاقِ، بَلْ إيصَالُ مَالٍ فِي حَقِّهِ (أَوْ) قِنٍّ (لَا مَالِكَ لَهُ مُعَيَّنٌ كَعَبْدِ غَنِيمَةٍ وَفَيْءٍ) قَبْلَ قِسْمَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا) فِطْرَةُ أَجِيرٍ وَظِئْرٍ (عَلَى مُسْتَأْجِرٍ أَجِيرًا وَ) مُسْتَأْجِرِ (ظِئْرٍ بِطَعَامِهِمَا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا أُجْرَةٌ تَعْتَمِدُ الشَّرْطَ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِدَرَاهِمَ، وَلِهَذَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُقَدَّرٍ كَسَائِرِ الْأُجَرِ (وَلَا) فِطْرَةَ (عَنْ زَوْجَةٍ نَاشِزٍ، وَإِنْ) كَانَتْ (حَامِلًا)، لِأَنَّهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهِيَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَفَقَةُ الْحَامِلِ لِلْحَمْلِ، وَلَا تَجِبُ فِطْرَتُهُ، (أَوْ) زَوْجَةٍ (لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا لِنَحْوِ صِغَرٍ) لَهُمَا عَنْ تِسْعِ سِنِينَ (وَحَبْسِ) هَا وَغِيبَتهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَلَوْ بِإِذْنِهِ، لِأَنَّهَا كَالْأَجْنَبِيَّةِ، (أَوْ) زَوْجَةٍ (أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا) زَوْجُهَا (لَيْلًا فَقَطْ) دُونَ نَهَارٍ، لِأَنَّهَا زَمَنُ وُجُوبٍ فِي نَوْبَةِ سَيِّدٍ، (وَهِيَ)، أَيْ: نَفَقَةُ أَمَةٍ تَسَلَّمَهَا زَوْجُهَا لَيْلًا فَقَطْ، (عَلَى سَيِّدِهَا، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْهَا)، أَيْ: عَنْ الْفِطْرَةِ (مَنْ لَزِمَتْهُ) وَهُوَ زَوْجُ الْأَمَةِ (بِتَسَلُّمِهَا نَهَارًا) وَلَيْلًا مَعًا، لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْمَعْدُومِ، (أَوْ عَجَزَ عَنْهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةِ (زَوْجُ حُرَّةٍ، فَتُخْرِجُ) الْفِطْرَةَ (هِيَ)، أَيْ: الزَّوْجَةُ الْحُرَّةَ عَنْ نَفْسِهَا. (وَلَا يَرْجِعَانِ)، أَيْ: الزَّوْجَةُ وَالسَّيِّدُ (بِهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةُ (عَلَى زَوْجٍ أَيْسَرَ)، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلُ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلتَّحَمُّلِ وَالْمُوَاسَاةِ. (وَلِمَنْ لَزِمَتْ غَيْرَهُ فِطْرَتُهُ) كَزَوْجَةٍ وَوَلَدٍ مُعْسِرٍ (طَلَبُهُ بِإِخْرَاجِهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةِ عَنْهُ كَالنَّفَقَةِ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا، (وَ) لَهُ (أَنْ يُخْرِجَهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةَ (حُرٌّ) مُكَلَّفٌ وَجَبَتْ فِطْرَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ (عَنْ نَفْسِهِ) مِمَّا اقْتَرَضَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا (مِنْ مَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَتُهُ بِدُونِ إذْنِهِ إلَّا أَنْ يُطَالَبَ، وَيَمْتَنِعَ مِنْ إخْرَاجِهَا عَنْهُ، فَلَهُ الْأَخْذُ حِينَئِذٍ مِنْ مَالِهِ وَالْإِخْرَاجُ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتُجْزِئُ) عَنْهُ وَلَوْ أَخْرَجَهَا (بِلَا إذْنِهِ)، أَيْ: إذْنِ مَنْ تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ، لِأَنَّهُ مُتَحَمِّلٌ، وَالْمُخَاطَبُ بِهَا ابْتِدَاءً الْمُخْرِجُ. (وَمَنْ أَخْرَجَ) فِطْرَةً (عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِطْرَتُهُ بِإِذْنِهِ، أَجْزَأَ)، لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، (وَإِلَّا) يُخْرِجْهَا بِإِذْنِهِ، (فَلَا) يُجْزِئُهُ إخْرَاجُهَا، (وَيُخْرِجُهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةَ (عَمَّنْ تَلْزَمُهُ) فِطْرَتُهُ (مَعَ فِطْرَتِهِ)، أَيْ: فِطْرَةِ نَفْسِهِ (مَكَانَ نَفْسِهِ)، أَيْ: فَلَا يُخْرِجُهَا بِمَكَانِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، بَلْ يُخْرِجُهَا بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلْمُخْرَجِ عَنْهُ، بِخِلَافِ زَكَاةِ الْمَالِ.

.(فَرْعٌ): [وقت إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]:

(الْأَفْضَلُ إخْرَاجُ فِطْرَةِ يَوْمِ عِيدٍ قَبْلَ صَلَاتِهِ)، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ» فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» (أَوْ) مَضَى (قَدْرُهَا)، أَيْ: صَلَاةِ الْعِيدِ حَيْثُ لَا تُصَلَّى، (وَيَأْثَمُ مُؤَخِّرُهَا عَنْهُ)، أَيْ: عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِجَوَازِهَا فِيهِ كُلِّهِ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ. «وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَقْسِمُهَا مَا بَيْنَ مُسْتَحَقِّيهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ». فَدَلَّ عَلَى الْأَمْرِ بِتَقْدِيمِهَا عَلَى الصَّلَاةِ لِلِاسْتِحْبَابِ. (فَتَجِبُ)، أَيْ: يَجِبُ إخْرَاجُهَا (مَعَ ضِيقِهِ)، أَيْ: وَقْتِهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ، لِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِغُرُوبِ شَمْسِهِ. (وَتُقْضَى) إنْ أَخَّرَهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ، فَلَمْ تَسْقُطْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، وَيَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ. (وَتُكْرَهُ بِبَاقِيهِ)، أَيْ: يَوْمِ الْعِيدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِهَا، وَ(لَا) تُكْرَهُ (بِيَوْمَيْنِ قَبْلَهُ)، أَيْ: يَوْمِ الْعِيدِ، لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «كَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ تَعْجِيلَهَا كَذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِهَا إذْ الظَّاهِرُ بَقَاؤُهَا أَوْ بَعْضِهَا إلَى يَوْمِ الْعِيدِ. (وَلَا تُجْزِئُ) فِطْرَةٌ أَخْرَجَهَا (قَبْلَهُمَا)، أَيْ: الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيهِمَا الْعِيدُ، لِحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» وَمَتَى قَدَّمَهَا بِزَمَنٍ كَثِيرٍ فَاتَ الْإِغْنَاءُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَقْصُودٌ، وَفِي يَوْمِ عِيدٍ، فَاخْتَصَّ بِهِ وَبِمَا قَارَبَهُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْفِطْرَةَ عَنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يُجْزِئْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِالزَّمَنِ الْكَثِيرِ.

.(فَصْلٌ): [مقدارُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]:

(وَالْوَاجِبُ فِيهَا)، أَيْ: الْفِطْرَةِ: (صَاعُ بُرٍّ)، لِأَنَّهُ الَّذِي أُخْرِجَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ، (وَ) إنْ أَخْرَجَ (فَوْقَهُ)، أَيْ: الصَّاعِ، فَهُوَ (أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ زَادَ الْفَقِيرَ خَيْرًا، وَاسْتَبْعَدَ أَحْمَدُ مَا نُقِلَ لَهُ عَنْ مَالِكٍ: لَا يَزِيدُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَمْسًا، (وَهُوَ مُخْتَلِفٌ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ حَبِّهِ ثِقَلًا وَخِفَّةً) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، (فَالْعِبْرَةُ بِمِثْلِ مَكِيلِهِ)، أَيْ: الْبُرِّ (مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (أَوْ) صَاعَ (مَجْمُوعٍ مِنْ ذَلِكَ)، أَيْ: مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ. نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ صَاعٍ مِنْ أَجْنَاسٍ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَجُوزُ مُنْفَرِدًا، فَجَازَ مَعَ غَيْرِهِ، لِتَقَارُبِ مَقْصُودِهَا وَاتِّحَادِهِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُ مُخْرِجًا قُوتًا لَهُ) كَالْأَقِطِ، مَعَ وُجُودِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، لِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. (وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ) الْأُصُولِ (الْخَمْسَةِ لِقَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (وَيُحْتَاطُ فِي ثَقِيلٍ) كَتَمْرٍ (مَنْ أَخْرَجَ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا) فَيَزِيدُ شَيْئًا (لِيَبْلُغَ قَدْرَ صَاعٍ لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) خُرُوجًا مِنْ الْعُهْدَةِ. (وَقَدَّرَ جَمَاعَةٌ) مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ شَارِحُ الْمُنْتَهَى (الصَّاعَ بِأَرْبَعِ حَفَنَاتٍ) جَمْعُ: حَفْنَةٍ مِنْ الْحَفْنِ، وَهُوَ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِالرَّاحَةِ وَالْأَصَابِعُ مَضْمُومَةٌ، أَوْ: الْجَرْفُ بِكِلْتَا الْيَدَيْنِ، (بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْخِلْقَةِ) وَهُوَ قَدَحَانِ. (وَيُجْزِئُ دَقِيقُ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَسَوِيقُهُمَا، وَهُوَ: مَا يُحَمَّصُ ثُمَّ يُطْحَنُ، بِوَزْنِ حَبِّهِ) نَصًّا، لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ عَلَى إجْزَاءِ الدَّقِيقِ بِزِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ: إنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ، قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ، أَيْ: حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ، لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ كَتَمْرٍ مَنْزُوعٍ نَوَاهُ. (وَلَوْ) كَانَ الدَّقِيقُ (بِلَا نَخْلٍ)، لِأَنَّهُ بِوَزْنِ حَبِّهِ. (كـَ) مَا يُجْزِئُ حَبٌّ (بِلَا تَنْقِيَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ، إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُحِبُّ أَنْ يُنَقِّيَ الطَّعَامَ، وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ لِيَكُونَ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَسْلَمَ مِمَّا يُخَالِطُهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَ(لَا) يُجْزِئُ (خُبْزٌ) لِخُرُوجِهِ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ، وَكَذَا بِكِصْمَاتٍ وَهَرِيسَةٌ.
(وَ) لَا يُجْزِئُ (مَعِيبٌ) مِمَّا تَقَدَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، (كَمُسَوَّسٍ)، لِأَنَّ السُّوسَ أَكَلَ جَوْفَهُ، (وَمَبْلُولٍ) لِأَنَّ الْبَلَلَ يَنْفُخُهُ، (وَقَدِيمٍ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ) لِعَيْبِهِ بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَجْزَأَ لِعَدَمِ عَيْبِهِ. وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ. (وَنَحْوِهِ)، أَيْ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَعِيبِ.
(وَ) لَا يُجْزِئُ صِنْفٌ مِنْ الْخَمْسَةِ (مُخْتَلِطٌ) بِـ (كَثِيرٍ مِمَّا لَا يُجْزِئُ) كَقَمْحٍ اخْتَلَطَ بِكَثِيرِ زُوَانٍ أَوْ عَدَسٍ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرٌ مُجْزِئٌ مِنْهُ (وَيُزَادُ) عَلَى صَاعٍ (إنْ قَلَّ) خَلِيطٌ لَا يُجْزِئُ (بِقَدْرِهِ)، أَيْ: الْخَلِيطِ، بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ. وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ قِيمَةِ الصَّاعِ نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: وَإِلَّا) يَكُنْ الْمُخْتَلَطُ قَلِيلًا (صَفَّاهُ) لِيَخْتَبِرَ خَالِصَهُ (فَإِنْ عَجَزَ) عَنْ تَصْفِيَتِهِ (زَادَ بِقَدْرِهِ)، أَيْ: الْمَعِيبِ الْمُخْتَلَطِ، لِيُخْرِجَ قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَقِينًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُخْرِجُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ)، أَيْ: الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ (مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ حَبٍّ) يُقْتَاتُ، (وَ) مِنْ (ثَمَرٍ مَكِيلٍ يُقْتَاتُ كَذُرَةٍ وَدُخْنٍ وَرُزٍّ وَعَدَسٍ وَتِينٍ) يَابِسٍ وَنَحْوِهَا، لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، فَكَانَ أَوْلَى. و(لَا) يُجْزِئُ إخْرَاجُ (مَا يُقْتَاتُ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ وَلَبَنٍ) وَكِشْكٍ وَبَقْلٍ وَشِبْهَهُ. (وَأَفْضَلُ مُخْرَجٍ تَمْرٌ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ، فَقَالَ: «إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قُوَّةٌ وَحَلَاوَةٌ، وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً، (فَزَبِيبٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَبُرٌّ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، (فَشَعِيرٌ فَدَقِيقُهُمَا)، أَيْ: دَقِيقُ بُرٍّ، فَدَقِيقُ شَعِيرٍ، (فَسَوِيقُهُمَا) كَذَلِكَ، (فَأَقِطٌ، وَهُوَ: شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ الْمَخِيضِ) أَوْ مِنْ لَبَنِ إبِلٍ فَقَطْ. (وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَنْقُصَ مُعْطًى) مِنْ فِطْرَةٍ (عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ)، أَيْ: الْبُرِّ لِيُغْنِيَهُ عَنْ السُّؤَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ. (وَيَجُوزُ إعْطَاءُ) نَحْوِ فَقِيرٍ (وَاحِدٍ مَا عَلَى جَمَاعَةٍ) مِنْ فِطْرَةٍ، (وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ)، أَيْ: إعْطَاءُ جَمَاعَةٍ مَا عَلَى وَاحِدٍ. (وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ رَدُّ زَكَاةٍ وَ) رَدُّ (فِطْرَةٍ وَخُمْسِ رِكَازٍ إلَى مَنْ أُخِذَ مِنْهُ إنْ كَانَ أَهْلًا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ (وَلِفَقِيرٍ دَفْعُ فِطْرَةٍ وَزَكَاةٍ لِمَنْ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ) فَيَرُدُّهُمَا بَعْدَ أَخْذِهِمَا إلَى مَنْ أَخَذَهُمَا مِنْهُ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ أَوْ الْفَقِيرِ أَزَالَ مِلْكَ الْمُخْرِجِ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ، فَإِنَّ تَرِكَتَهُ الزَّكَاةُ أَوْ الْفِطْرَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِلَا قَبْضٍ، وَلَمْ يَبْرَأْ (حَتَّى) وَلَوْ كَانَ دَفَعَهُمَا إلَيْهِ (عَنْ زَكَاتِهِ).
قَالَ (الْمُنَقِّحُ: مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةٌ)، أَيْ: عَلَى عَدَمِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ، فَيَمْتَنِعُ كَسَائِرِ الْحِيَلِ عَلَى مُحَرَّمٍ (تَنْبِيهٌ: لَا يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ وَزَكَاةٍ إخْرَاجُ قِيمَةٍ وَلَوْ لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. (وَحَرُمَ، وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ زَكَاتِهِ أَوْ) شِرَاءُ (صَدَقَتِهِ) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي عِنْدَهُ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعَهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ شِرَاءَهَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِرْجَاعِ شَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ يَسْتَحْيِي أَنْ يُمَاكِسَهُ فِي ثَمَنِهَا، وَرُبَّمَا سَامَحَهُ طَمَعًا بِمِثْلِهَا، أَوْ خَوْفًا مِنْهُ إذَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْهُ أَنْ لَا يُعْطِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَفَاسِدُ، فَوَجَبَ حَسْمُ الْمَادَّةِ، (وَلَوْ) كَانَ شِرَاؤُهُ لَهَا (مِنْ غَيْرِ مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ. (فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ) زَكَاتُهُ أَوْ صَدَقَتُهُ (بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ هِبَةٍ)، جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيُّ. (أَوْ أَخَذَهَا مِنْ دَيْنِهِ) بِلَا مُوَاطَأَةٍ، (جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ)، لِعَدَمِ الْمَانِعِ.

.(بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ):

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ النَّقْلِ وَالتَّعْجِيلِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ (وَاجِبٌ فَوْرًا، فَيَضْمَنُ سَاعٍ وَوَكِيلٌ أَخَّرَا دَفْعَهَا لِفُقَرَاءَ) وَنَحْوِهِمْ (بِلَا عُذْرٍ) لِتَفْرِيطِهِمَا، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ وَمِنْهُ {وَآتُوا الزَّكَاةَ}، يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ، بِدَلِيلِ:. {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ} فَوَبَّخَهُ إذْ لَمْ يَسْجُدْ حِينَ أُمِرَ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ}» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ فَأَهْمَلَهُ حَسُنَ لَوْمُهُ وَتَوْبِيخُهُ عُرْفًا، وَلَمْ يَكُنْ انْتِفَاءُ قَرِينَةِ الْفَوْرِ عُذْرًا. (كـَ) مَا يَجِبُ إخْرَاجُ (نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) عَلَى الْفَوْرِ (إنْ أَمْكَنَ) إخْرَاجُهَا، كَمَا لَوْ طُولِبَ بِهَا، وَلِأَنَّ النُّفُوسَ جُبِلَتْ عَلَى الشُّحِّ، وَحَاجَةُ الْفَقِيرِ نَاجِزَةٌ، فَإِذَا أُخِّرَ الْإِخْرَاجُ اخْتَلَّ الْمَقْصُودُ، وَرُبَّمَا فَاتَ بِطُرُوِّ نَحْوِ إفْلَاسٍ أَوْ مَوْتٍ، (وَلَمْ يَخَفْ) مُزَكٍّ (رُجُوعَ سَاعٍ) عَلَيْهِ بِهَا إنْ أَخْرَجَهَا بِلَا عِلْمِهِ (أَوْ) لَمْ يَخَفْ بِدَفْعِهَا فَوْرًا ضَرَرًا (عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ) كَمَعِيشَةٍ، لِحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِذَلِكَ، فَالزَّكَاةُ أَوْلَى. (وَلَهُ تَأْخِيرُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِأَشَدِّ حَاجَةٍ)، أَيْ: لِيَدْفَعَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ مِمَّنْ هُوَ حَاضِرٌ نَصًّا، وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِزَمَنٍ يَسِيرٍ، (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا لِـ (قَرِيبٍ وَلِحَاجَتِهِ) أَيْ: الْمَالِكِ إلَيْهَا (إلَى يَسَارِهِ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُمْ احْتَاجُوا عَامًا، فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ الصَّدَقَةَ فِيهِ، وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى» (وَ) لَهُ تَأْخِيرُهَا (لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِهَا مِنْ مَالٍ لِنَحْوِ غَيْبَتِهِ) كَغَصْبِهِ وَسَرِقَتِهِ وَكَوْنِهِ دَيْنًا (إلَى قُدْرَتِهِ) عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَا يُكَلَّفُهَا مِنْ غَيْرِهِ. (وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ غَيْرِهِ) لَمْ يَلْزَمْهُ، لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ مِنْ عَيْنِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ رُخْصَةٌ، فَلَا تَنْقَلِبُ تَضْيِيقًا. (وَلِإِمَامٍ وَسَاعٍ تَأْخِيرُهَا عِنْدَ رَبِّهَا لِمَصْلَحَةٍ كَحِفْظٍ) نَصًّا، لِفِعْلِ عُمَرَ، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَبَّاسِ: «فَهِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» رَوَاه الْبُخَارِيُّ. وَكَذَا أَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَمَنْ بَذَلَ الْوَاجِبَ) عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ لِإِمَامٍ أَوْ سَاعٍ أَوْ فَقِيرٍ (لَزِمَ) مَدْفُوعًا إلَيْهِ (قَبُولُهُ)، أَيْ: الْمَبْذُولِ، (وَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ)، أَيْ: الْبَاذِلِ، لِأَنَّهُ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَرْعًا. (وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، (لَا) إنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا، (حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَ) جَحْدِهِ وُجُوبَهَا عَنْ (مَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَ) عَنْ (رِكَازٍ وَ) عَنْ (عَرَضِ) تِجَارَةٍ، (وَ) عَنْ (فِطْرَةٍ) عَلَى أَهْلِ بَادِيَةٍ، فَلَا ارْتِدَادَ لِقُوَّةِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا ذُكِرَ، (عَالِمًا) وُجُوبَهَا، (أَوْ جَاهِلًا) بِهِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِإِسْلَامٍ، أَوْ كَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْقُرَى (وَعَرَفَ) جَاهِلٌ (فَعَلِمَ وَأَصَرَّ) عَلَى جُحُودِهِ عِنَادًا، (فَقَدْ ارْتَدَّ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، (وَلَوْ أَخْرَجَهَا) جَاحِدًا لِظُهُورِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ، فَلَا عُذْرَ لَهُ، (وَتُؤْخَذُ) مِنْهُ (بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا) لِاسْتِحْقَاقِ أَهْلِ الزَّكَاةِ لَهَا (وَيُعَامَلُ كَمُرْتَدٍّ)، أَيْ: فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ. (وَمَنْ مَنَعَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (بُخْلًا) بِهَا (أَوْ تَهَاوُنًا) بِلَا جَحْدٍ، (أُخِذَتْ) مِنْهُ قَهْرًا كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَخَرَاجٍ (وَعَزَّرَ مَنْ عَلِمَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ)، أَيْ: الْمَنْعِ بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا (إمَامٌ) فَاعِلُ عَزَّرَ (عَادِلٌ) فِي الزَّكَاةِ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي غَيْرِهَا (أَوْ) عَزَّرَهُ (عَامِلٌ) عَدْلٌ لِمَنْعِهِ الزَّكَاةَ، (وَ) إنْ كَانَ الْإِمَامُ (غَيْرَ عَادِلٍ) لَا يَصْرِفُهَا فِي مَصْرِفِهَا، فَهُوَ عُذْرٌ فِي عَدَمِ دَفْعِهَا إلَيْهِ، فَ (لَا) يُعَزِّرُهُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ (فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ أَوْ قَاتَلَ دُونَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ، أَيْ: قَاتَلَ جَابِيَهَا، (وَأَمْكَنَ أَخْذَهَا) مِنْهُ (بِقِتَالِهِ)، أَيْ: قِتَالِ الْإِمَامِ إيَّاهُ، (وَجَبَ قِتَالُهُ عَلَى إمَامٍ وَضَعَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (مَوَاضِعَهَا) الصِّدِّيقِ وَالصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ، وَقَالَ: وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا- وَفِي لَفْظٍ عِقَالًا- كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (فَقَطْ)، أَيْ: بِلَا زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ. وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطَاهُ. وَكَانَ مَنْعُ الزَّكَاةِ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ مَعَ تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ أَخْذُ زِيَادَةٍ، وَلَا قَوْلٌ بِهِ. وَحَدِيثُ: «فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ أَوْ مَالِهِ» كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ بِالْمَالِ، ثُمَّ نُسِخَ فِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ. (وَلَا يُكَفَّرُ) مَانِعُ زَكَاةٍ غَيْرُ جَاحِدٍ إذَا قَاتَلَ عَلَيْهَا (بِقِتَالِهِ لِلْإِمَامِ)، لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إلَّا الصَّلَاةَ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّكْفِيرِ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى جَاحِدِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّغْلِيظِ، (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (مِنْهُ) وَهُوَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا) لِأَنَّهَا مِنْ مَبَانِي الْإِسْلَامِ، فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالصَّلَاةِ، (فَإِنْ) تَابَ وَ(أَخْرَجَ) الزَّكَاةَ كُفَّ عَنْهُ، (وَإِلَّا قُتِلَ)، لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِيهَا (حَدًّا) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْ تَرِكَتِهِ) كَمَا لَوْ مَاتَ، وَالْقَتْلُ لَا يُسْقِطُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، فَكَذَا الزَّكَاةُ (وَمَنْ ادَّعَى أَدَاءَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ وَقَدْ طُولِبَ بِهَا، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، (أَوْ) ادَّعَى (بَقَاءَ حَوْلٍ، أَوْ) ادَّعَى (نَقْصَ نِصَابٍ، أَوْ) ادَّعَى (زَوَالَ مِلْكِهِ) عَنْ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (تَجَدُّدَهُ)، أَيْ: مِلْكِ النِّصَابِ (قَرِيبًا، أَوْ) ادَّعَى (أَنْ مَا بِيَدِهِ) مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ (لِغَيْرِهِ)، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (أَنَّهُ)، أَيْ: مَالَ السَّائِمَةِ (مُفْرَدٌ أَوْ مُخْتَلِطٌ)، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ، (أَوْ) ادَّعَى (عَلَفَ سَائِمَةٍ) نِصْفَ الْحَوْلِ فَأَكْثَرَ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ) ادَّعَى (بِلَا قِنْيَةِ عَرَضِ) تِجَارَةٍ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ (أَوْ أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَالِهِ، صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ)، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا (كَصَلَاةٍ وَكَفَّارَةٍ، بِخِلَافِ وَصِيَّتِهِ لِفُقَرَاءَ) بِمَالٍ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَرَهُ عَاشِرٌ آخَرَ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً، فَإِذَا جَاءَ آخَرُ أَخْرَجَ إلَيْهِ بَرَاءَتَهُ لِتَنْتِفِي التُّهْمَةُ عَنْهُ. (وَيَلْزَمُ) بِإِخْرَاجٍ (عَنْ) مَالِ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَلِيَّهُمَا)، فَيُخْرِجُ (مِنْ مَالِهِمَا) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَوَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهَا عَنْهُمَا (بِنِيَّةٍ مِنْهُ)، أَيْ: الْوَلِيِّ (كَنَفَقَةِ قَرِيبٍ) لَهُمَا، (وَ) نَفَقَةِ (زَوْجَةٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ لَهُمَا). (وَسُنَّ) لِمُخْرِجِ زَكَاةٍ (مُطْلَقًا)- سَوَاءٌ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، وَسَوَاءٌ الْمَالُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِطْرَةٌ أَوْ زَكَاةُ مَالٍ، وَسَوَاءٌ نَفَى التُّهْمَةَ عَنْهُ بِإِخْرَاجِهِ لَهَا أَوْ لَا- (إظْهَارُ زَكَاةٍ)، لِتَنْتِفِي التُّهْمَةُ عَنْهُ وَيُقْتَدَى بِهِ.
(وَ) سُنَّ (تَفْرِقَةُ رَبِّهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (بِنَفْسِهِ) لِتَيَقُّنِ وُصُولِهَا إلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَكَالدَّيْنِ (بِشَرْطِ أَمَانَتِهِ)، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ، (وَهُوَ)، أَيْ: دَفْعُهَا مِنْ يَدِهِ (أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} الْآيَةُ. وَكَالدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِنَفْسِهِ فَالْأَفْضَلُ دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي. وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا مَنَعَهُ الشُّحُّ مِنْ إخْرَاجِهَا أَوْ بَعْضِهَا.
(وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ)، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (عِنْدَ دَفْعِهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا)، أَيْ: مُثْمِرَةً، (وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا)، أَيْ: مُنْقِصَةً، لِأَنَّ التَّثْمِيرَ كَالْغَنِيمَةِ، وَالتَّنْقِيصَ كَالْغَرَامَةِ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا أَعْطَيْتُمْ الزَّكَاةَ فَلَا تَنْسَوْا ثَوَابَهَا أَنْ تَقُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ الْبَخْتَرِيُّ بْنُ عُبَيْدٍ ضَعِيفٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى تَوْفِيقِهِ لِأَدَائِهَا.
(وَ) سُنَّ (قَوْلُ آخِذٍ) مِنْ مُسْتَحَقٍّ، (وَعَامِلٍ آكَدَ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا). (وَلَا يُكْرَهُ دُعَاؤُهُ)، أَيْ: الْآخِذِ (بِلَفْظِ صَلَاةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}، أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ. فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ سُعَاتَهُ. (وَلَهُ)، أَيْ: رَبِّ الْمَالِ (دَفْعُهَا)، أَيْ: الزَّكَاةِ (لِسَاعٍ وَإِمَامٍ وَلَوْ فَاسِقًا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا)، لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «أَتَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ، وَأُرِيدُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ، فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ. وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، (حَرُمَ) دَفْعُهَا إلَيْهِ (وَيَجِبُ كَتْمُهَا إذَنْ)، قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَنَصَّ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِهِ.
قَالَ فِي. الشَّرْحِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ دَفْعَهَا لِلْإِمَامِ جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ أَوْ الْبَاطِنَةُ، وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهَا سَوَاءٌ تَلِفَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، أَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا. انْتَهَى.
وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ:«أَنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ بِهَا الْكِلَابَ، وَيَشْرَبُونَ بِهَا الْخُمُورَ. قَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ» حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ. وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: «ادْفَعُوهَا لِمَنْ غَلَبَ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: «ادْفَعُوهَا إلَى الْأُمَرَاءِ وَإِنْ كَرَعُوا بِهَا لُحُومَ الْكِلَابِ عَلَى مَوَائِدِهِمْ» رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: كَانُوا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَى الْأُمَرَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا، وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا، فَمَا أَقُولُ أَنَا؟ (وَيَبْرَأُ) دَافِعُ زَكَاةٍ إلَى السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ (بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا مَصَارِفَهَا) لِمَا سَبَقَ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا)، أَيْ: كَالزَّكَاةِ فِي الْحُكْمِ (كُلُّ مَالٍ ضَائِعٍ أَوْ لَا وَارِثَ لَهُ) يُدْفَعُ إلَى الْإِمَامِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَيَبْرَأُ دَافِعُهُ مِنْ عُهْدَتِهِ، سَوَاءٌ تَلِفَ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِهِ أَوْ لَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُجْزِئُ دَفْعُ زَكَاةٍ لِخَوَارِجَ وَبُغَاةٍ) إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ، وَقَعَ مَوْقِعَهُ نَصًّا، (وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَهَا)، أَيْ: الزَّكَاةَ (مِنْ السَّلَاطِينِ قَهْرًا أَوْ اخْتِيَارًا عَدَلَ فِيهَا أَوْ جَارَ)، وَيَأْتِي فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ. (وَلِإِمَامٍ طَلَبُ نَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ، الظِّهَارِ: (وَ) لَهُ طَلَبُ (زَكَاةٍ) مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَلَا يَلْزَمُ دَفْعُهَا لَهُ إذَا طَلَبَهَا) بَلْ لِرَبِّهَا تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَيْسَ لَهُ)، أَيْ: الْإِمَامِ (إجْبَارُ مُمْتَنِعٍ إذَنْ)، أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَمْنَعْ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ إخْرَاجَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ الْوَاجِبُ الْإِخْرَاجُ، لَا الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ.